البصير والمجبر .. علاج الكسور وتقويم العظام فى السودان الموروث الثقافي
البصارة أو البصير في السودان والطب البديل السوداني
المحاذير والفوائد
بقلم: خالد الكردافي
باحث ومعالج في الطب البديل
sudaherbs@gmail.com
مقدمة:
في السودان، يُطلق على مَن يُعالج الكسور والخلوع ورضوض العظام دون شهادة طبية تقليدية اسم "البصير" أو "البصارة" في بعض المناطق. وقد اشتهرت هذه المهنة منذ مئات السنين، وتوارثها أفراد من أسر معروفة، تُمارسها كعلم موروث يتنقل عبر الأجيال، مستخدمة وسائل طبيعية وتقنيات يدوية أثبتت فعاليتها في كثير من الحالات.
ففي ظل غياب الخدمات الصحية في بعض المناطق الريفية، ظل "البصير" المرجع الأول لعلاج إصابات العظام، قبل دخول المستشفيات الحديثة.
منهجية البصير في العلاج:
يعتمد البصير على:
- الفحص اليدوي والخبرة البصرية: لتحديد موضع الكسر أو الخلع.
- الجبائر التقليدية: باستخدام عصي النخيل، القماش، أو لحاء الأشجار.
- دهانات وزيوت طبيعية: مثل زيت القرض، زيت السمسم، أو زيوت عشبية مخصصة لتقليل التورم وتحفيز الالتئام.
- رباطات عشبية ومراهم مطبوخة: تصنع من مكونات مثل الكركدي المجفف، أوراق السدر، الصمغ العربي، أو المرة.
- التدليك أو "التحنيط": وهو نوع من العلاج اليدوي لتحريك العظام أو رد الخلع برفق.
فوائد البصارة (البصير) في الطب البديل السوداني:
- تقديم العلاج الفوري في المناطق النائية دون الحاجة لمعدات متقدمة.
- احترام الطبيعة البيولوجية للعلاج من خلال مواد طبيعية وآمنة.
- سرعة الاستجابة في حالات الطوارئ، كإصابات المزارعين والرعاة.
- تقوية الروابط الاجتماعية والعلاج داخل محيط الأسرة والمجتمع.
محاذير ومخاطر العلاج عند البصير:
ورغم هذا الإرث العريق، إلا أن هناك بعض المحاذير:
- عدم التشخيص بالأشعة: قد يؤدي إلى أخطاء في التقييم، خاصة في الكسور الداخلية أو المضاعفة.
- الخلع الخاطئ أو الضغط الزائد: يمكن أن يسبب تلف الأعصاب أو الأوعية الدموية.
- استخدام مواد غير معقمة: قد تؤدي إلى التهابات أو تسمم موضعي.
- الإهمال في نقل الحالات المعقدة للمستشفيات.
أبحاث وآراء حديثة:
- دراسة أُجريت عام 2023 من جامعة الخرطوم رصدت أن 42% من الحالات البسيطة التي تم علاجها عند البصير شُفيت دون مضاعفات، بينما 20% تطلبت لاحقًا تدخلاً طبيًا.
- ورشة نظمتها وزارة الصحة بولاية شمال كردفان في 2024 أوصت بإدخال "البصير" ضمن سلسلة الإسعاف المجتمعي بشرط التدريب والرقابة.
- منظمة الصحة العالمية WHO، في تقريرها حول الطب التقليدي في إفريقيا، شددت على أهمية دمج المهارات الشعبية مع الرعاية الصحية الأولية، دون تجاهل المحاذير.
مستقبل المهنة بين الرفض والاعتراف:
إن بعض الأطباء يرفضون الاعتراف بالبصارة كممارسة صحيحة، لكن من جانب آخر، يرى عدد من الباحثين ضرورة تنظيم المهنة عبر برامج تدريب وتأهيل، لأن البصير لا يمكن تجاهله في المنظومة الصحية المجتمعية، خاصة في السودان.
وقد بدأت بالفعل بعض الجهات، مثل جمعيات الطب الشعبي، في إقامة ورشات لتعليم البصير مبادئ التشريح والإسعاف الأولي.
خاتمة:
إن "البصير" في السودان ليس مجرد مهنة، بل إرث متجذر يعكس قوة التقاليد وروح التداوي بالحكمة الشعبية. وبين الاعتراف والتحفظ، يبقى الطريق الأمثل هو الدمج الآمن بين التراث والعلوم الحديثة، مع رقابة صحية وتدريب مستمر يضمن سلامة المرضى ويحفظ الكرامة لهذا الفن القديم.
متعكم الله بالصحة والعافيه
خالد الكردافي
تعليقات
إرسال تعليق